مشكلة الربا
ومن هنا يتضح الأثر الاقتصادي للربا أو القرض بفائدة. فالفائدة الربوية تسمح بفصل التمويل عن النشاط الاقتصادي، فيصبح التمويل نشاطاً ربحياً دون أن يكون له ارتباط مباشر بالتبادل الحقيقي، حيث يمكن للقرض أن يولد عائداً مقابل التمويل دون أن يكون له صلة مباشرة واتصال عضوي بنشاط يولد قيمة مضافة. فماذا يترتب على ذلك؟
يترتب على ذلك أن يصبح معدل نمو المديونية منفصلاً ومستقلاً عن معدل نمو الناتج الحقيقي. وحيث إن نمو المديونية في هذه الحالة لا يخضع لمقتضيات النشاط الحقيقي، فإن المديونية تأخذ في النمو والازدياد بدرجة أسرع من نمو الاقتصاد الحقيقي، حتى تتفاقم المديونية وتصل إلى درجة لا يمكن معها الوفاء بهذه الديون. وتصبح من ثم الفوائد على هذه الديون الهائلة نزيفاً مستمراً في الاقتصاد وعبئاً ثقيلاً على الدخل.
وهذا هو الحاصل اليوم في الدول الصناعية والنامية على السواء. فديون الحكومة الأمريكية تتجاوز اليوم 9 تريليونات دولار، وهو ما يتعذر الوفاء به في المدى المنظور. وتستهلك الفوائد على الدين أكثر من 300 مليار دولار سنوياً. أما الدول النامية فبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن نسبة الفوائد أو ما يسمى خدمة الدين تتجاوز لبعض الدول الفقيرة 70 في المائة من صادراتها التي تمثل المصدر الأهم للعملة الصعبة ومن ثم الرافد الأهم للدخل القومي.
أي أن التمويل بدلاً من أن يكون عاملاً مساعداً لزيادة الدخل أصبح في ظل نظام الفائدة عبئاً عليه، وبدلاً من أن يكون التمويل خادماً للنشاط الاقتصادي أصبح النشاط الاقتصادي خادماً للتمويل.
وعائد التمويل في الأصل يفترض أن يكون من القيمة المضافة التي يسهم في تحقيقها من خلال التبادل والتعاملات الحقيقية، ولكن مع النمو غير المنضبط للمديونية، يصبح عائد التمويل أكبر بكثير من نصيبه في القيمة المضافة، وهذا ما يجعل التمويل عاملاً سلبياً في النمو الاقتصادي، بدلاً من أن يكون عاملاً إيجابياً.
وبطبيعة الحال، ما لم يتم تصحيح هذا الوضع بشكل أو بآخر، فإن مآل الاقتصاد سيكون الاختناق تحت وطأة هذه الديون. فالنمو المخيف للمديونية الأمريكية يمثل تهديداً مباشراً للدولار، إذ ما لم يتم استدراك الوضع بشكل أو بآخر فإن قيمة الدولار مهددة بالانهيار. كما أن التاريخ قد شهد العديد من الحضارات التي كانت أعباء الديون الثقيلة أحد أهم الأسباب وراء سقوطها واندثارها، إما بالثورات أو بالحروب الطاحنة. فالربا عامل رئيسي وراء الحروب التي تسعى من ورائها الدول الغارقة في المديونية النجاة من وطأة ديونها عبر الاستيلاء على ثروات الأمم والشعوب الأخرى (وما حرب العراق الأخيرة إلا أحد الأمثلة على ذلك). ولكن أعباء الحرب ونتائجها السلبية قد تفاقم من وضع الدول الغازية، فتكون قد سعت لحتفها بنفسها.
يتبع