ما حقيقة التمويل الإسلامي (04)

سرطان المديونية 

      شبه بعض الكتاب الغربيين الفائدة بالفيروس الذي يتكاثر بشكل كبير إلى أن يدمر الخلايا الحية. وبعضهم شبهها بالورم السرطاني الذي يستفحل إلى أن يقضي على الجسم.
      والحقيقة أن وضع الربا في النظام الاقتصادي لا يختلف كثيراً عن الورم السرطاني في الجسم الحي. فالخلايا الطبيعية تخضع في نموها وانقسامها وموتها إلى ضوابط تضمن أداء أعضاء الجسم لوظائفها بالشكل المطلوب. أما الخلية السرطانية فلا تخضع لشيء من هذه الضوابط، بل تنمو وتتكاثر بمعدلات أسرع من الخلية السليمة.
      ويترتب على ذلك أن يصبح استهلاك الخلايا السرطانية للغذاء الذي يحمله الدم أعلى من استهلاك الخلايا الطبيعية، ومن ثم يضعف نمو الخلايا الطبيعية في حين يزداد نمو الخلايا السرطانية. وهذا يحمل الكبد عبئاً إضافياً لبناء الغذاء الضروري للجسم وللورم في الوقت نفسها. ومع نمو الورم واستفحال الخلايا السرطانية يصبح معظم الغذاء منصرفاً للورم، ويصبح معظم نشاط الكبد وبقية الأعضاء هو خدمة هذا الورم ونمو خلاياه. ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلاً لأن تزايد حجم الورم يجعل الغذاء المطلوب له أكبر من طاقة أعضاء الجسم، فتكون النتيجة المؤسفة هي فشل هذه الأعضاء وتوقفها عن العمل، وهو ما يؤدي إلى وفاة الجسم، ومن ثم نهاية الورم ذاته. أي أن النمو المنفلت للورم كان هو في نهاية الأمر سبباً لموته، ولكن بعد أن دمر الجسم وقضى عليه.
      ويكاد يكون هذا هو الحال بالضبط بالنسبة لوضع الربا في الاقتصاد. فالربا يجعل الديون تنمو بشكل لا يخضع لضوابط النمو الاقتصادي، كما أن نمو الورم لا يخضع لضوابط نمو الخلايا الطبيعية. وفي غياب ضوابط النمو، يتزايد حجم المديونية بمعدلات أسرع من معدلات نمو الاقتصاد، تماماً كما تنمو الخلايا السرطانية بمعدلات أكبر من معدلات الخلايا الطبيعية. وكما أن الخلايا السرطانية تصبح عالة على الجسم بحيث تستهلك إنتاجه الغذائي على حساب الخلايا السليمة، فكذلك الديون الربوية تصبح عبئاً على الاقتصاد الحقيقي تستنـزف من إنتاجه الحقيقي على حساب الوحدات الاقتصادية. وكما يؤول الحال بالجسم لأن يصبح خادماً للورم السرطاني، يصبح الاقتصاد خادماً للديون الربوية، ويصبح الإنتاج مسخراً لخدمة الديون وسداد الفوائد المترتبة عليها. وكما يموت الورم في النهاية ثمناً لاستغلاله البشع لأعضاء الجسم، فمآل الربا في النهاية المحق والزوال ثمناً لاستغلاله الجائر للوحدات الاقتصادية. وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "إن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل" رواه الإمام أحمد. وقد قال تعالى: "يمحق الله الربا"، فالربا مآله المحق وإن كثر، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً. 

يتبع

جميع الحقوق محفوظة لمدونة مدونة MAHFOD87 2013