مفاصل التاريخ لا تربط أجزاءها وأطرافها إلا الهوية، وهوية الأوطان مرهونة بلغتها.. ما حصل في تاريخ المنطقة في الأشهر الفائتة أن هناك لوعة كبرى وفاجعة تقف منها الهوية بفعل التلاشي والاضمحلال الذي عانت اللغة وبفعل ما تراكم عليها من زحام مفاهيم مغلوطة وأسباب خفية جرت عليها الويلات وبثور المحنة.. بعد أن فزعنا من محنة التيارات ذات الجناح الواحد وبعد أن حاولت الكثير من الأنظمة العربية أن تضع هذا التيار في خانة الإلغاء والإقصاء كما يفعل هو ويمارس في تعاطيه مع المجتمعات التي ينمو فيها ويترعرع وجدنا أنفسنا نقع في فخ مفاجئ لم تحسب له الأجهزة الأمنية أي حساب بل لم تتوقعه كونها غرقت في البحث عن صلاحيات ضائعة في مياه ضحلة.
شباب الـ facebook لم يأتوا من فراغ ولم ينزلوا من أنجم الفضاء، بل هم إفراز ثقافي لفورة اجتماعية أرادت أن تتحقق من صهد التيارات المتزمتة فوقعت في تيار فضفاض أشد خطورة وفتكاً كونه رفع أنشودة الحرية والديمقراطية بلباس غربي هو في الأساس مطلب جوهري للغرب في أن يتحرر العالم العربي من أتون الإرهاب الإسلامي أو الإسلام الإرهابي كما تم تصوره وتسويقه واعتناقه أيضاً من قبل فئة من بني جلدتنا.. إذاً أين المأزق في هذه القضية يجب أن نعترف أن الإرهاب ما كان ينبغي مواجهته بمحاربة الهوية الوطنية ولا بكسر طوق اللغة والتي هي الوعاء الذي يحفظ القيمة الحضارية والإنسانية لأي أمة.. وما كان ينبغي أبداً أن نحارب الإرهاب بالانسلاخ من عقيدة الوطن كون اللغة قاسمها وعمودها.
الإرهاب شر تأبط العنف وسيلة للانقضاض على مكتسبات الأوطان ومنجزاتها، الأمر الذي كان يستوجب على أصحاب القرار السياسي في الوطن العربي أن ينهضوا باللغة كوعاء لثقافة مضادة تمنع الترسب عند قرون بائدة وتروع بثوب فضفاض يفضح العورة ويعري الجسد.. فالمجتمعات التي تتخلى عن دورها الريادي في صناعة غدها وتنجرف وراء طوفان يريد أن يمنع تراكم الكثبان تقع في فخ الهزيمة ووصول فئة مهزومة من الداخل رافضة في الظاهر ويتبين الأمر وكأن الصراع دائر بين فئتين أحدهما صخرية والأخرى رخوية، فكيف السبيل لتثبيت الحقوق الإنسانية في ظل صراع بين قطبين سلبيين؟.
في الحقيقة إننا بحاجة إلى إعادة النظر فيما يجري وتقليب أحجار شطرنجة مرات ومرات لتفهم أن ما يحدث ليس عفوياً ولا إجرائياً من أجل تغيير نظام لحساب نظام جديد، الأمر يتعدى ذلك وما يكمن تحت السجادة غبار كثيف يحتاج إلى لغة ضالعة في العمق، مترسخة في ثقافة المجتمع تستطيع أن تضع الهوية الثقافية في المقام الأول لكل ما يستجد من أحداث في هذا البلد العربي أو ذاك.
علي أبو الريش
source : http://www.uaeec.com