الفرق بين البيع والربا
وبهذا يتضح الفرق بين البيع الآجل وبين الربا. فالبيع الآجل يتضمن زيادة مقابل الأجل، وبهذا صرح الفقهاء، أن الأجل له قسط من الثمن. والربا زيادة أيضاً مقابل الأجل، فما الفرق بين الأمرين؟
حقيقة البيع أنه مبادلة لمالين مختلفين، أما القرض فهو مبادلة لمالين متماثلين، والاختلاف بين البدلين هو الذي يسمح بانتفاع الطرفين في عملية التبادل، ومن ثم توليد القيمة المضافة. هذه القيمة المضافة تعادل وتجبر الزيادة في الثمن مقابل الأجل، فتكون النتيجة انتفاع كلا الطرفين.
أما التماثل فهو يجعل مصالح الطرفين على طرفي نقيض، إذ إن أي زيادة لمصلحة أحدهما ستكون خسارة ونقصاً على الآخر، وهي نتيجة حتمية لتماثل البدلين. ولهذا كانت الزيادة ظلماً في القرض وعدلاً في البيع، وهذا مقتضى حكمة أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى.
والنشاط الاقتصادي قائم على التنوع وتفاوت مصالح وقدرات الأفراد. ولولا هذا التنوع diversity لما أمكن تحقيق التكامل بين الوحدات الاقتصادية ومن ثم رفع مستوى الإنتاجية والكفاءة في الاقتصاد.
ورفاهية المجتمع لا تتمثل بكثرة النقود، وإنما بتعدد وتنوع السلع والخدمات. وكلما كان الاقتصاد أكثر تقدماً كانت السلع والخدمات أكثر تنوعاً. والسبب يرجع لحقيقة مسلمة في علم الاقتصاد: وهي أن التخصص في مجال معين من النشاط الاقتصادي يرفع مستوى الإنتاجية ومن ثم من مستوى الدخل. ومن الممتنع بطبيعة الحال أن يتوجه الناس جميعاً للتخصص نفسه، بل لا بد أن تتعدد التخصصات بحسب تعدد الاهتمامات والقدرات. والنتيجة الطبيعية لذلك هي ارتفاع مستوى الإنتاجية في مختلف المجالات، ومن ثم ارتفاع مستوى الدخل. فالتخصص يستلزم التنوع، ومن ثم ازدهار الاقتصاد.
والبيع كما سبق مبادلة لمالين مختلفين، فهو يستلزم اختلاف تخصص الطرفين لكي تحقق المبادلة مصالحهما. وربط التمويل بالبيع يشجع على التخصص ومن ثم التنوع في النشاط الاقتصادي. ولهذا نجد أدوات التمويل الإسلامي ترتبط بشكل كبير بنوع النشاط محل التمويل، فهناك استصناع ومزارعة ومساقاة ومغارسة إلخ. فالأدوات الإسلامية بطبيعتها تستلزم التخصص الذي هو أساس التقدم الاقتصادي. أما الربا فهو مبادلة لمالين متماثلين، فليس فيه ما يحفز على التخصص، بل العكس هو الصحيح. ولذلك كان الربا أداة تستخدم للتمويل في جميع المجالات دون تمييز لانعدام عنصر التخصص فيها. ولهذا أيضاً كان عائد الربا هو الأقل مقارنة بأدوات التمويل المتخصصة، نظراً لأنه يمثل عائد الأجل دون أن يعكس القيمة المضافة التي يحققها التمويل الإسلامي.
فالتمويل الإسلامي أكثر انسجاماً مع النظرية الاقتصادية من الربا، ويتضمن من مقومات التقدم الاقتصادي ما لا يملكه التمويل الربوي.
يتبع