التأمين الإسلامي: مبدأ التكافل

     تقدر إحصائيات صندوق النقد الدولي والتقرير السويسري، أن صناعة التأمين العالمية تشكل ما نسبته 6.18 في المئة من الناتج المحلي العالمي، فيصل إجمالي الأقساط التأمينية إلى 4.27 تريليون دولار. وإذا كانت صناعة التأمين العالمية تنمو بمعدل 2 في المئة تقريبا، فإن مجمل نمو التأمين في العالم النامي يصل إلى ما يقارب 11.1 في المئة بين عامي 2007 و2008. وحيث إن دول العالم الإسلامي والعربي تضم أكثر من 50 دولة يسكن فيها ما يفوق 1500 مليون نسمة ويشكل جزءا مهما من العالم النامي الذي تمر فيه صناعة التأمين بطفرة النشوء؛ ومن هنا فإن نجاح صناعة التأمين في العالم الإسلامي للقيام بأدوارها الاجتماعية والتنموية مرهون بمدى استجابة نماذج الشركات التأمينية وأنظمتها للأسس القيمية الإسلامية التي تتبناها شعوب الدول الإسلامية. وكما هي المصارف الإسلامية في معاناتها للخروج من الهيكل التقليدي للبنوك التجارية الغربية المبني على معدلات الفائدة والقروض والفصام بين القطاع النقدي والقطاع الحقيقي (السلعي والخدمي) ومختلف معطيات البيئة والفلسفة والتجارب التاريخية الأوروبية والأمريكية، فإن شركات التأمين الإسلامية أو التكافلية ليست أحسن حظا من البنوك الإسلامية؛ إلا أن عمود الاختلاف بينها وبين شركات التأمين التجارية الغربية يتمحور حول الغرر والقمار وليس الفائدة ـــ وإن كانت شركات التأمين توظف الفائدة في توسيع دوائر استقطابها للأموال أو لتعظم مكتسباتها وعوائدها . وتتفاوت الآراء الفقهية تفاوتا شاسعا حول معالجة عنصر الغرر في الشركات التقليدية التجارية، فمن مجيز مطلقا للتأمين التجاري التقليدي فلا يرى فيه غررا حقيقيا، إلى مانع مطلق للتأمين التجاري الإسلامي التكافلي وأنه لا يكاد يختلف عن التأمين التجاري التقليدي بشيء، وأن ما يصلح للمسلمين هو أن يكون هناك مؤسسات أو صناديق وقفية مفتوحة لدعم وتعويض المتضررين والمحتاجين ممن أسهم أو لم يسهم في قسط أو اشتراك .. ثم بين هؤلاء وهؤلاء أطياف من الحلول الوسط والمحاولات التوفيقية بين الأشكال الطرفية. وأما إذا نظرنا إلى واقع الشركات التأمينية الإسلامية والتكافلية فإننا نجدها تفصل إداريا ومحاسبيا بين صندوق المتكافلين الذي يحتوي على اشتراكات ومدخرات واستثمارات المشتركين، وبين إدارة الشركة وما تمتلكه من أموال عينية ونقدية وما تستحقه من مكافآت مقابل جهودها الإدارية. فهناك فائض نقدي ربحي بين التكاليف الإدارية والمدفوعات لتغطية أغراض التأمين (مثلا الفواتير الصحية، متطلبات معاشات التأمين، حوادث السيارات .. إلخ)، وبين إجمالي قيمة اشتراكات التأمين وعوائد الفوائض الادخارية والأصول الاستثمارية المتراكمة عبر الزمن. وهنا يثور الخلاف ويكثر الجدل وتستخدم مجموعات المصالح داخل الشركة (أصحاب رؤوس الأموال والإداريون) نفوذها لزيادة حجم نصيبها من الفائض. وبذلك قد تطغى الصبغة التجارية على الطبيعة التعاونية التكافلية، وربما انقلبت لتصبح شركة تأمين تجارية وإن كانت ترفع اسم وراية “التعاونية”. فشركة التعاونية للتأمين على سبيل المثال تكاد تعطي أصحاب الاشتراكات 10 في المئة من فوائضها الربحية. فبهذا يصبح اسم التعاوني هو التكافلي هو الإسلامية، مجرد شعار تتهم فيه الشركات التأمينية “الإسلامية” باستغلال عواطف الجماهير. ولا شك أن شركات التأمين وصناعة التأمين وخدمات التأمين أصبحت من الضرورات العصرية لتنظيم وحماية المتطلبات الحياتية للمجتمعات الحديثة، وإضافة إلى ذلك فهي تعد من الأوعية الادخارية والمالية التي تسهم في تمويل التنمية وبناء المشاريع الاستثمارية طويلة الأجل التي تخدم البني التحتية والاقتصادية والاجتماعية لما تمتلكه من رؤوس الأموال الضخمة. ويمثل لذلك في القطاع الحكومي أو العام بما تقوم به المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومصلحة معاشات التقاعد من بناء المستشفيات والمجمعات السكنية والتجارية وما يمكن أن تقوم به من مختلف مشاريع الخدمات في المستقبل. ويمكن أن تقوم بمثل هذه الأدوار شركات التأمين في القطاع الخاص بعد أن تتخطى مراحل التأسيس والنمو والنشوء. ولا يمكن أن تتم هذه الأدوار العظيمة لشركات التأمين المتمثلة في وظائفها الأساسية لحماية المتطلبات الحياتية العصرية وتقديم التمويل للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية، إلا بتحقيقها النجاح عبر تطوير علاقاتها الأمامية والخلفية مع المجتمع الذي تعيش فيه، من خلال توظيف مؤسساته القيمية الإسلامية السامية. وليتم ذلك لا بد من إنشاء هيئة مستقلة للتأمين التكافلي بحيث تتوافر فيها عوامل الدينامية وتتركز فيها الأسس القيمية التي يؤمن بها ويتبناها المجتمع. وغني عن القول إن الوضع التنظيمي الرقابي الحالي لقطاع التأمين في المملكة العربية السعودية (التي هي أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط) يعاني من الضعف والتهميش حيث أوكل إلى البنك المركزي (مؤسسة النقد العربي السعودي) الذي أثقل كاهله بمسؤوليات القطاع البنكي والنقدي، علاوة على أن طبيعة المؤسسة تميل إلى المحافظة الشديدة التي لا تناسب قطاعا خاصا كقطاع التأمين هو في أشد الحاجة إلى تطوير هياكله وبناء مؤسساته بما يتناسب مع قيم المجتمع السعودي.

د. يوسف الزامل


source : http://iefpedia.com


جميع الحقوق محفوظة لمدونة مدونة MAHFOD87 2013