بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد:
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى في التشريع، أن لا يخالف صريح المنقول صريح المعقول، لأن الإنسان بطبيعته لا يمكنه إدراك المنقول إلا إذا أدرك عقله ذلك، وهذا ما يميز الخطاب الإلهي عن غيره، وهنا يتأطر دور الباحثين في الدراسات الإسلامية، وذلك عن طريق السعي للبحث عن الحكمة من التشريع في المسألة المراد بحثها، وبين يدينا مسألة مهمة جداً، ألا وهي الربا، فالإسلام شدد في تحريم الربا وغلظ في عقوبته، لذلك كان علينا كباحثين في الاقتصاد الإسلامي بيان السبب المعقول من هذا التحريم والتغليظ، عن طريق البحث عن الحكمة الاقتصادية لتحريم الربا وأثر ذلك على المتغيرات الاقتصادية الكلية، فنسأل الله التوفيق والسداد في مبتغانا.
أولا: الربا والنقود
إن من أعظم الأشياء التي قامت البشرية بابتكارها هي النقود بديلا عن نظام المقايضة فأصبحت بذلك النقود معياراً للقيم وأداه للحساب والمبادلات وإبراء الذمم، لكن من غير المنطقي أن يتم تبادل النقود في المجتمع دون أن ينتقل بواسطتها سلع وخدمات، وخروج النقود عن وظائفها الأساسية بجعلها محلاً للمتجارة كما في الربا معناه تعطيل لهذه النقود وتضييق المبادلات الحقيقية في المجتمع وما ينتج عن ذلك من نقص الإنتاج وزيادة البطالة وانتشار المعاملات الوهمية غير الحقيقية، يقول موريس آليه ( عالم اقتصادي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ): إن آلية الائتمان – أي التمويل الربوي – تؤدي بصورة جوهرية إلى خلق وسائل دفع من لا شيء، ذلك لان صاحب الوديعة في أي مصرف من المصارف يعتبر وديعته رصيداً نقدياً متاحاً تحت تصرفه، في حين أن هذا المصرف قد أقرض معظم هذه الوديعة، الذي إذا ما أعيد إيداعه في مصرف آخر أو لم يعد إيداعه، اعتبر رصيداً نقدياً متاحاً تحت تصرف صاحبه، فكل عملية ائتمان ترافقها إذاً عملية مضاعفة للنقود “، إن هذا القول يجسد لنا الأثر البالغ الذي يولده التمويل الربوي على النقود التي تسعى كل السياسات الاقتصادية إلى الحفاظ على استقرارها وعلى تأديتها لوظائفها الأساسية بشكل سليم، لذلك كان للحكمة الاقتصادية لتحريم الربا سعة وبعد النظر في مآل التعامل الربوي.